الوقت - قبل أيام وعلى غرار القرار الأمريكي أعلن الكيان الصهيوني نيته الانسحاب من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).
وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت: إن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" أوعز إلى الخارجية الإسرائيلية ومندوب كيان الاحتلال في اليونسكو "كارمل شاما هاكوهين" بالاستعداد للانسحاب من المنظمة بشكل رسمي بعد عطلة عيد الميلاد (الكريسماس).
وجاءت الخطوة الإسرائيلية بعد يوم واحد من تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ثلثي الأصوات لصالح قرار يرفض تغيير الوضع القانوني للقدس، ويندد بالقرار الأمريكي اعتبار المدينة المحتلة عاصمة لـ"إسرائيل".
كما جاء قرار نتنياهو عقب اعتماد المجلس التنفيذي لليونسكو قرار "فلسطين المحتلة" الذي نص على "وجوب التزام إسرائيل بصون سلامة المسجد الأقصى وأصالته وتراثه الثقافي وفقاً للوضع التاريخي، وبوصفه موقعاً إسلامياً مقدساً مخصصاً للعبادة".
والسؤال المطروح ما هي الدوافع الحقيقية لانسحاب إسرائيل من اليونسكو، وما هي الأهداف التي تتوخاها تل أبيب من وراء هذه الخطوة؟
الأسباب أو الدوافع:
- قرارات اليونسكو الحازمة تجاه الكيان الصهيوني، خصوصا بعد اعترافها رسمياً بفلسطين باعتبارها عضو في المنظمة منذ نحو خمس سنوات. فقد أثار هذا الإجراء غضب كيان الاحتلال لأنه يدرك تماماً أنه سيمهد الأرضية للاعتراف بفلسطين في كافة المنظمات والهيئات الدولية الأخرى وفي مقدمتها المنظمات التابعة للأمم المتحدة.
- قبل نحو عام أصدرت اليونسكو بياناً أكدت فيه أن فلسطين هي دولة محتلة، وإسرائيل هي كيان غاصب للأراضي الفلسطينية.
- أكدت المنظمة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 بأن المسجد الأقصى تراث إسلامي خالص لا علاقة لليهود به. كما أدانت أعمال الحفر التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ويستهدف جانباً منها المسجد الأقصى.
- رفضت اليونسكو الإجراءات الإسرائيلية التي تهدف إلى تغيير المعالم التاريخية للقدس المحتلة، واصفة القرارات التي اتخذتها تل أبيب في هذا المجال بأنها لاقيمة لها باعتبارها صادرة عن سلطة احتلال.
أهداف الكيان الصهيوني من الانسحاب من اليونسكو:
- تسعى تل أبيب لمواصلة إجراءاتها في تغيير المعالم التاريخية للقدس، ومن الطبيعي أن قرارات اليونسكو تتعارض مع رغبة كيان الاحتلال في هذا المجال، ولهذا تعتقد إسرائيل بأن خروجها من المنظمة سيتيح لها المجال لتنفيذ سياساتها التوسعية الهادفة إلى تغيير الحقائق المتعلقة بالأراضي المحتلة ومن بينها مدينة القدس.
- أكدت اليونسكو في وقت سابق أنها لا تستطيع السيطرة على الأماكن الأثرية بشكل كامل في الأراضي المحتلة، فالحفريات التي ينهبها الاحتلال تكون بعيدة عن سيطرتها بسبب أنها من الممكن أن تتواجد في وحدات عسكرية تابعة لجيش الاحتلال. وهذا يعني أن إسرائيل تدرك بأن الوضع القائم في القدس لن يتغير سواء انسحبت أو لم تنسحب من اليونسكو، لأن المنظمة ليست لديها رقابة على ما يقوم به الاحتلال، بالإضافة إلى أن تل أبيب لا تعترف أساساً بالقرارات الدولية الخاصة بالأراضي المحتلة.
من خلال هذه المعطيات وغيرها ندرك تماماً لماذا قررت دويلة الاحتلال الانسحاب من اليونسكو، وكذلك حليفتها أمريكا التي أوقفت دعمها المالي وانسحبت كلياً من المنظمة، لتثبت أنها إسرائيلية أكثر من الإسرائيليين أنفسهم، بحجة أن اليونسكو يجب أن تبقى بعيدة عن التسييس وتركز جهودها على الأمور الثقافية والتراثية والعلمية والتربوية فقط، في تلميح لمعارضتها قرار نفي أي صلة لإسرائيل واليهود بالمدينة المقدسة ومساجدها وكنائسهاـ
والسؤال المطروح: كيف يمكن عزل الثقافة والتعليم عن السياسة في أراضي محتلة تتعرض فيها المدارس والمساجد للقصف والتدمير، مثلما حصل في قطاع غزة جراء العدوان الإسرائيلي في الأعوام 2008 و2012 و2014؟
وقرار الانسحاب الإسرائيلي عن اليونسكو ليس غريباً خصوصاً في ظل الإدارة الأمريكية التي يتزعمها الرئيس "دونالد ترامب" الذي أظهر كراهية وعنصرية ضد المسلمين، وانحياز بالكامل للكيان الصهيوني في الكثير من قراراته وآخرها إعلان القدس عاصمة لإسرائيل والطلب من الخارجية الأمريكية الإعداد لنقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى المدينة المحتلة.
ويعتقد المراقبون أن انسحاب أمريكا من اليونسكو جاء لتحقيق هدفين؛ الأول: رغبة واشنطن في وضع حد لديونها المتراكمة تجاه المنظمة نتيجة التوقف عن دفع مستحقاتها منذ 2011، أي منذ انضمام فلسطين للمنظمة، ما أدى إلى تراكم الديون الأمريكية إلى حوالي نصف مليون دولار شهرياً، والثاني: الاحتجاج ضد قرارات اليونسكو تجاه "تل أبيب".
وكان الكيان الإسرائيلي قد خفّض في يوليو/تموز الماضي، دعمه لليونسكو بسبب قرارها إدراج البلدة القديمة في مدينة الخليل الفلسطينية والحرم الإبراهيمي الشريف على لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر.
لكن هذا الابتزاز الوقح لليونسكو، لن يبرئ إسرائيل من جرائم الحرب، وممارساتها العنصرية في الأراضي المحتلة، كما يفضح الوجه الأمريكي العنصري المنحاز للاحتلال وجرائمه في تهويد المدينة المقدسة، ومحاولة تدمير مدارسها ومساجدها وكل ما له صلة بالثقافة والتاريخ الإسلامي.