الوقت- صعد الرئيس الامريكي دونالد ترامب إلى منبره يوم أمس الاثنين "18/12/2017 " ليعلن عن الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي الامريكي، موضحا أن الاستراتيجية الجديدة تتضمن "الاعتراف، وسواء طاب لنا ذلك أم لا، بأننا دخلنا عصرا جديدا من النتافس، ونعترف بأن العالم بأكمله يشهد الآن مواجهات عسكرية واقتصادية وسياسية، حيث نواجه الأنظمة المارقة التي تهدد الولايات المتحدة وحلفائنا، ونواجه أيضا الجماعات الإرهابية والشبكات الإجرامية العابرة للحدود وغيرها من الأطراف التي تنشر العنف والشر حول العالم".
وهناك أربعة ملفات رئيسية تركز عليها استراتيجية الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، الجديدة حول الأمن القومي، هي: حماية الأراضي الأميركية، وزيادة القوة التجارية الأميركية، وضمان السلام من خلال القوة، إضافة إلى توسيع النفوذ الأميركي في العالم.
وبالعودة إلى الجملة الاولى في خطاب ترامب يوم أمس يمكننا أن نستشف بأن واشنطن بدأت تتلمس إنطواء صفحة "هيمنة القطب الواحد" في ظل ظهور قوى جديدة تتمتع بإمكانيات كبيرة تنافس الولايات المتحدة بشكل كبير وتتجاوزها في بعض المجالات، وهذا ما لم يستطع ترامب اخفائه حيث أكد بأن بلاده تدخل "عصرا جديدا من التنافس"، تتحداها فيه روسيا والصين، ولكن في نفس الوقت لاتريد واشنطن قبول هذه الحقيقة وعوضا عن قبولها أو التعامل معها، قررت الولايات المتحدة الامريكية التقوقع على نفسها والحفاظ على بعض الحلفاء تحت جناحيها ومحاولة إغماض أعينهم عن حقيقة تراجع دورها ونفوذها في العالم.
وجاء كلام الرئيس الأمريكي ترامب متناغما إلى حد كبير مع الاسباب التي ذكرناه فقد قال: "مستعدون لخوض قتال من أجل حلفائنا"، وهذه العبارة تحمل هدفين الأول: محاولة الحفاظ على الحلفاء الذين بدأت مصالحهم تتعارض إلى حد كبير مع واشطن بالتزامن مع تراجع دورها وثقلها الذي كانت تتغنى به سابقا وظهور قوى جديدة أكثر فاعلية وأكثر نفوذ، والثاني: محاولة كسر العزلة الامريكية، فأوروبا التي تعتبر الحليف الرئيسي لأمريكا، بادرت الى معارضة سياسات ترامب الأحادية في قضايا مثل الخروج من معاهدة باريس المناخية وقضية الاتفاق النووي مع ايران، واعلان نقل السفارة الى القدس وغيرها من المسائل وهذا سيزيد من العزلة الامريكية في العالم، ولذلك يجب القول ان ترامب هو اكبر مانع امام انتشار النفوذ الامريكي في العالم.
القلق الامريكي
القلق الأمريكي من التحولات الجديدة المتسارعة التي تعصف بعالمنا الحالي والتي باتت معها واشنطن عاجزة عن مواكبتها نظرا لوجود خلافات كبيرة داخل البيت الأمريكي منذ تولي الرئيس الحالي دونالد ترامب إدارة البيت الأبيض، هذه الاسباب وغيرها دفعت بترامب لإلقاء خطاب مطول عن الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي وهذا ما لم يفعله الرؤوساء السابقون على الرغم من أنهم تعرضوا لأزمات أشد من التي يتعرض لها ترامب اليوم مثل "هجمات 11 أيلول" أيام بوش وأزمة "مقديشو" أيام كلينتون، حيث كان مستشارو الأمن القومي يقومون بهذه المهمة، ربما أراد ترامب ذلك ليبدد مخاوف شعبه وحلفائه بعد هذا التراجع الكبير للدور الامريكي في السياسة الخارجية والفوضى التي عمت أرجاء البيت الأبيض.
ومايجري اليوم يعيد إلى أذهاننا كلام روجر أوين الأكاديمي بهارفارد الذي طرح سؤالا منتصف شهر أغسطس الماضي، بعد مرور سبعة أشهر كاملة من تولى ترامب منصب رئيس أمريكا يقول فيه: هل من أحد فى السلطة؟!، خاصة أن ترامب أظهر عجزا واضحا في إدارة البيت الأبيض ابتداءا من العملية الانتقالية التي سادتها فوضى التقارير، ثم جاء الرحيل المفاجئ لمستشار الأمن القومي مايكل فلين والهزة التي ضربت لاحقاً فريق الأمن القومي، ويبدو أنه كان هناك صراع داخل الإدارة حول السياسة الخارجية بين هؤلاء الذين يفضلون توجهات ترامب المتطرفة مثل ستيف بانون وسيباستيان غوركا وستيفن ميلر، وهؤلاء الذين يفضلون توجهاته التقليدية مثل جيمس ماتيس وجون كيلي وريكس تيلرسون وماكماستر. حتى رحيل بانون في آب/ اغسطس لم يكن من الواضح لأي الطرفين الغلبة وأي تصور هو الذي سيسود الاستراتيجية.
روسيا
شكل ظهور روسيا كقوة كبيرة ذات شأن عالي خاصة في السنوات القليلة الماضية ضربة قاصمة لهيمنة القطب الواحد، وتمكنت كل من موسكو وبكين من إعادة التوازن إلى العالم الحالي، فقد تمكنت روسيا من كسب ثقة عدد كبير من حلفاء واشنطن السابقين من خلال مصداقيتها واحترامها للقوانين الدولية ودحرها للإرهاب عن مساحات شاسعة من سوريا وتجفيف منابع الإرهاب هناك والتي كانت تغذيها واشنطن بين الفينة والأخرى فضلا عن التطور الهائل لروسيا في مجال الصناعات العسكرية وتمكنها من جذب حلفاء الولايات المتحدة لعقد صفقات أسلحة معها.
الصين
تتحدى الصين بشكل اكبر من غيرها الهيمنة الامريكية على النظام الدولي نظرا لإتباع بكين سياسة متسارعة للنمو الاقتصادي وتعزيز قدراتها العسكرية، ويكفي أن نذكر بان الصين قامت بإنشاء 30 مطار، وبناء ناطحات سحاب بمعدل ناطحة سحاب كل 5 أيام، مترو في 25 مدينة و6000 ميل من الطرق السريعة في آخر خمس سنوات فقط، وفي آخر 3 سنوات استخدمت الصين خرسانة أكثر مما استخدمته الولايات المتحدة الأمريكية في القرن العشرين كله، فضلا عن كون واشنطن مديونة لبكين بمليارات الدولارات.
ايران وحزب الله
بالإضافة إلى مهاجمة روسيا والصين من قبل الولايات المتحدة الامريكية واعتبارهما "تتحدان قوة ونفوذ ومصالح الولايات المتحدة"، واتهمت إياهما بمحاولة "الاضرار بأمن أمريكا ورخائها " وتغيير الوضع القائم، هاجمت أيضا واشنطن بالامس ايران وحزب الله وهذا أمر طبيعي ولم يكن مستغربا أبدا لكون ايران وحزب الله قامتا بتحدي النفوذ الامريكي في كل من سوريا والعراق ولبنان، وساهمتا إلى حد كبير في منع تقسيم المنطقة وتجزئتها على المقاس الأمريكي، يضاف إلى ذلك فضح الاستراتيجية الأمريكية في العراق على يد ايران حيث تمكنت الأخيرة من خلال دعم الشعب العراقي وبسواعد أبنائه من طرد أخطر تنظيم إرهابي في المنطقة وهذا ما لم تكن تريده واشنطن في حقيقة الأمر.
كوريا الشمالية
لا يمكن لترامب أن يخطب خطابا يخلو من ذكر كوريا الشمالية وادانتها ومهاجمتها وتصعيد الخطاب السياسي والعسكري نحوها في كل مناسبة، وهذا الأمر يعود لكون واشنطن عاجزة في حقيقة الأمر امام بيونغ يانغ بسبب حصولها على قوة الردع التي تمنع الامريكي من القيام باي مواجهة عسكرية معها.