الوقت- لقد تأزمت العلاقات وازدادت التوترات السياسية خلال الأسابيع الماضية بين ألمانيا والسعودية وهذا الأمر خلق حالة من القلق لدى الاتحاد الأوروبي تجاه المواقف والسياسات الفوضوية التي يمارسها حكام الرياض الجدد في منطقة غرب آسيا. لقد كانت ردة فعل وزارة الخارجية الألمانية على احتجاز رئيس الوزراء "سعد الحريري" في السعودية هي الشرارة الأولى لنشوب هذه التوترات بين البلدين. حيث انتقد وزير الخارجية الألماني "سيغمار غابرييل" في مؤتمر صحفي جمعه بوزير الخارجية اللبناني "جبران باسل" في العاصمة الألمانية "برلين" في 16 نوفمبر 2017، السياسيات السعودية حيال بعض القضايا الإقليمية وتحديدا بعد الأزمة التي خلقتها في لبنان واجبارها سعد الحريري على الاستقالة.
إن هذه الانتقادات تشير إلى أن ألمانيا تعتقد بأن الحريري محتجز في السعودية وبأن حياته في خطر وأنه يجب على السعودية مراجعة سياساتها وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبنان وعدم خلق أزمة سياسية جديدة في هذا البلد. ولهذا فلقد قررت السعودية استدعاء سفيرها في "برلين" احتجاجاً على هذا الانتقادات التي وجهها وزير الخارجية الألماني لها وسلمت أيضا سفير ألمانيا في الرياض مذكرة احتجاج على هذه الانتقادات والتصريحات. ومن جهة اُخرى اعتبرت وزارة الخارجية السعودية أن هذه الانتقادات والتصريحات التي اطلقها وزير الخارجية الألماني "زيغمار غابرييل"، سيئة وليس لها أساس من الصحة. كما اعتبرت وزارة الخارجية السعودية انتقادات " غابرييل" التي صرح بها في ذلك المؤتمر الصحفي الذي جمعه بوزير الخارجية اللبناني، بأنها إهانة للسعودية. وفي أعقاب هذه التوترات، قامت السعودية بإلغاء زيارة ممثلها الخاص بالشؤون اليمنية إلى "برلين". وفي الوقت نفسه، طلب "زهير الحارثي" رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان السعودي، من ألمانيا الاعتذار لبلاده وأشار أيضا إلى احتمال فرض عقوبات اقتصادية على "برلين" قائلا: "أن السعودية لا تسعى إلى زيادة التوترات ولكن ليس من المستبعد أن تستخدم السعودية جميع الوسائل المشروعة لها بما فيها العقوبات الاقتصادية لتحقيق مصالحها".
إلا أن الحكومة الألمانية لم تعير أي اهتمام لردة الفعل هذه التي أطلقتها السعودية وأصدرت وزارة خارجيتها بياناً حول استدعاء السفير السعودي لدى ألمانيا، حيث قالت: "أن برلين قلقه للغاية إزاء التطورات الجديدة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والتي أدت إلى زعزعة الاستقرار والأمن في المنطقة وهنا ندعو جميع الأطراف إلى تخفيف حدة التوترات في المنطقة ". ومع ذلك، لم تكن ردود الفعل تلك هي نهاية للخلافات بين البلدين، بل على العكس من ذلك، فلقد عبر وزير الخارجية الألماني " غابرييل" أدلى في (24 نوفمبر الحالي) مجددا في لقاء جمعه مع وزير الخارجية البريطاني " بوريس جونسون"، بأن الحكومة الألمانية قلقة من الأعمال التي تقوم بها السعودية في منطقة الشرق الأوسط وذكرت التقارير أيضا أن وزير الخارجية الألماني انتقد من العاصمة البريطانية "لندن" السياسات الفوضوية السعودية التي أدت إلى تفاقم الوضع الإنساني في اليمن ودعا إلى ضرورة تغيير هذه السياسة التي تنتهجها السعودية.
أساس الخلافات والتوترات
إن الشرارة الأولى لنشوب هذه الخلافات بين البلدين، يرجع إلى التصريحات التي أطلقتها وزارة الخارجية الألمانية والتي عبرت فيها بأنها قلقة بشأن السياسات الفوضوية التي تقوم بها السعودية في المنطقة وتجدر الإشارة هنا بأن الاضطرابات الأخيرة التي شهدتها منطقة غرب أسيا خلال الفترة من عام 2011 وحتى يومنا هذا والتي كان لها آثار مباشرة وغير مباشرة على المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية للبلدان الأوروبية ( مثل أزمة المهاجرين وآثارها السياسية والاقتصادية على البلدان الأوروبية والتي كان لها أيضا اثر في دفع الكثير من المواطنين الأوروبيين للالتحاق بالجماعات الإرهابية مثل "تنظيم داعش الإرهابي" و"جبهة النصرة" و"القاعدة"، المبتنية على أيديولوجية التطرف الوهابي والتي قامت بشن الكثير من الهجمات الإرهابية في كثير من الأراضي الأوروبية )، كان لها أثرا على تلك الدول الأوروبية، فهم آلآن يوقنون بأهمية تحقيق الاستقرار والسلام في منطقة غرب آسيا ولكن هذا آلأمر يتناقض مع الدور والسياسة العدوانية للسعودية في المنطقة. فعلى سبيل المثال، وافق الاتحاد الأوروبي في أيلول / سبتمبر 2017 على حظر توريد الأسلحة إلى السعودية وذلك بسبب الأوضاع الكارثية التي تسبب بها هذا البلد في اليمن. والآن، فإن ألمانيا وباعتبارها أقوى دولة في الاتحاد الأوروبي، تشعر بقلق بالغ إزاء السياسات السعودية المتطرفة والمدمرة التي تمارسها في منطقة غرب آسيا وخاصة في اليمن ولبنان.
التهديد بفرض عقوبات اقتصادية والتقرب من روسيا
من ناحية أخرى، تعتزم السعودية استغلال نفوذها والتقليل من علاقاتها الاقتصادية مع ألمانيا والتقرب من روسيا، لكي تجبر "برلين" والدول الأوروبية الأخرى بالتزام الصمت تجاه سياساتها الفوضوية التي تقوم بها في منطقة الشرق الأوسط. ونظرا إلى أن الدول الأوروبية لها رأي موحد إزاء بعض القضايا الهامة مثل قضية الاتفاق النووي الإيراني والتدخل السعودي في لبنان وخاصة فيما يتعلق بقضية "الحريري"، فهذا يدل على أن الدول الأوروبية لن تقوم بدعم سياسات "الرياض" في المنطقة. ومثالاً على هذا، يمكن الإشارة إلى الدور الذي لعبته فرنسا والرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، بالضغط على السلطات السعودية لإطلاق سراح "سعد الحريري" وهذا الأمر يدل على أن الأوروبيين ليسوا على استعداد لدعم المغامرات السعودية.
وفي النهاية، فإن التوترات الحالية بين ألمانيا والسعودية، تثبت بأن دول الاتحاد الأوروبي تبتعد شيئاً فشئ عن السعوديين وأنه في المستقبل القريب، ستتأزم علاقات الرياض اكثر واكثر بالدول الأوروبية.