الوقت- نشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى مقالا منذ أيام نقل فيه خلاصة محاضرات لثلاثة من كبار الضباط الأوروبيين في منتدى سياسي أقيم في الـ25 من الشهر الحالي في المعهد المذكور. عنوان المقال: "جيش الإرهاب التابع لحزب الله: كيفية منع اندلاع حرب ثالثة في لبنان". يحث المقال الغرب على الانضمام لسياسة واشنطن بخصوص مواجهة النفوذ الإيراني وحزب الله الذي يتهمه بالسعي لخوض حرب جديدة مع الكيان الإسرائيلي، حرب وحسب المقال يجب تحاشيها من خلال سياسة الضغط الاستباقي على الحزب.
لم يعد سرّا عنوان المرحلة القادمة "أمريكيا وعربيا وإسرائيليا" العنوان الأكيد هو مواجهة حزب الله والنفوذ الإيراني بشكل عام في المنطقة، خاصة مع التحولات الأخيرة التي تشهدها الساحات الساخنة منذ سنوات في سوريا والعراق. يبقى طرف وحيد رافضا لهذا الأمر هو الغرب وتحديدا أوروبا التي ترفض تصنيف الحزب إرهابيا ولذلك يبرز حراك واسع أمريكي صهيوني للضغط والتأثير على أوروبا لإشراكها في خطة المواجهة التي بدأت تظهر ملامحها.
وفي هذا السياق نستذكر الهجوم الذي شنته مندوبة أمريكا في مجلس الأمن على قوات اليونيفل المتواجدة في الجنوب اللبناني، حيث وبسبب الرفض الأوروبي الصارم لأي تعديل في مهمة هذه القوات فشلت أمريكا في الزج بها في مواجهة قوات حزب الله.
وبالعودة إلى المقال الذي نشره معهد واشنطن وباختصار حاضر ثلاثة من كبار الضباط الأوروبيين المتقاعدين وهم العقيد ريتشارد كيمب القائد السابق للقوات البريطانية في أفغانستان والذي قاد فريق الإرهاب الدولي في "لجنة المخابرات المشتركة" في بريطانيا، واللواء ريتشارد دانات الرئيس السابق لأركان للجيش البريطاني إضافة إلى الجنرال كلاوس نومان الذي شغل سابقا منصب رئيس أركان "القوات المسلحة الألمانية" ورئيس "اللجنة العسكرية لحلف شمال الأطلسي".
على رغم الاختلاف الجزئي في بعض ما طرحه هؤلاء الثلاثة في كلماتهم إلا أن شيئا واحدا كان مشتركا بينهم وهو دعوة الدول الأوروبية لاتباع سياسات أخرى اتجاه حزب الله والكيان الإسرائيلي، متهمين الحزب بأنه يخطط لحرب قادمة سيُجبر فيها الكيان الإسرائيلي على القيام بردة فعل قوية لمواجهة الخطر وبالتالي سيكون عدد الضحايا مرتفعا وهو الأمر الذي يُفيد حزب الله في التسويق لفكرة مقاطعة إسرائيل. ودعا هؤلاء الدول الأوروبية للضغط على الحزب من أجل منع وقوع الحرب الثالثة ووضع الحزب وبلا أي تمييز بين أجنحته على لوائح الإرهاب الأوروبية.
طبعا هذه التصريحات ليست وحدها التي تدعو أوروبا لمواجهة الحزب، بل إن حملة أمريكية إسرائيلية لشخصيات مؤثرة تعمل بشكل حثيث على التأثير في القرار الأوروبي، إضافة إلى حملة عربية تخوضها بعض الدول الخليجية على رأسها السعودية تسعى لشيطنة حزب الله أمام الرأي العام العربي والمسلم. وكأن مؤامرة تُعدّ في الخفاء لعدوان جديد ليس فقط على حزب الله بل على كل لبنان. عدوان يتمّ تمهيد أجواءه النفسية لدى الشعوب العربية لتقبل به هذه الشعوب وكأنه خطوة طبيعية ضد الحزب.
يبقى الأوروبيون هم الركن الثالث لاكتمال مثلث العدوان الذي يُخطط له، ولذلك يحاول الأمريكيون الاستفادة من أصوات أوروبية للضغط باتجاه إقناع هذه الدول بهذا الأمر. هنا من الجيد الإضاءة على الأسباب التي منعت وتمنع أوروبا إلى اليوم من الخوض في مثل هكذا مواجهة، مواجهة أضرارها سيتحملها الأوروبي ومنفعتها فقط لإسرائيل وأمريكا.
أوروبا لديها عشرات آلاف الجنود التابعين لليونيفل في الجنوب اللبناني وهم تحت رحمة حزب الله، فعلى رغم العلاقات الطيبة لهذه القوات مع أهالي الجنوب اللبناني إلا أن الواقع يقول أن الحاضنة الشعبية لحزب الله لن تقبل بأي تواطؤ لهذه القوات ضد الحزب وبالتالي ستصبح هذه القوات أسيرة في يدي الحزب عند أي مواجهة.
الأمر الآخر أن هناك شريحة واسعة ضمن الرأي العام الأوروبي تعادي التطرف الإسرائيلي والسياسات العنصرية التي يعتمدها هذا الكيان ضد الفلسطينيين وضد اللبنانيين قبل خروج إسرائيل من الجنوب. كما أن هذه الشريحة الواسعة تعلم أن حزب الله ممثل واقعي لشريحة واسعة من اللبنانيين وبعضهم يقطنون أوروبا ولا يمكن تجاوز هذا الاعتبار فقط كرمى لعيون إسرائيل.
وبالعودة إلى خلفية استهداف حزب الله من قبل أمريكا والعرب، نجد أن المشكلة الرئيسية هي مع إيران التي وقّعت معها الدول الكبرى اتفاقا نوويا. اليوم تسعى الإدارة الأمريكية للخروج من هذا الاتفاق فيما يصرّ الأوروبيون على ضرورة احترامه وتنفيذه بالكامل. لأسباب تتعلق بالمصالح الاقتصادية الأوروبية من جهة ومن جهة أخرى سعيا للخروج من العباءة الأمريكية التي تظللهم منذ عقود.
طبعا ليس من المؤكد أن هذه الضغوط الإسرائيلية الأمريكية لن تنجح اتجاه أوروبا، خاصة أنهم بدأوا يستفيدون من أصوات وشخصيات أوروبية إلا أن الأكيد أن ما يريدون تحقيقه ليس سهل المنال، فالمؤامرة أكبر من مجرد عقوبات بل سعي لعدوان حقيقي سيخلف أضرار جمّة تخشاها أوروبا وحدها.