الوقت- في 2 حزيران/يونيو، عُقد في العاصمة الفرنسية باريس مؤتمر دولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي بمشاركة حوالي 24 وزير خارجية ومسؤول في منظمات دولية. والهدف المعلن للمؤتمر هو مراجعة المشهد العراقي عقب سقوط الرمادي في أيدي التنظيم الإرهابي، وبالتالي تقييم "خارطة طريق" جديدة للتحالف الدولي والحكومة العراقية.
جرى المؤتمر الذي حضره إقليمياً وزراء خارجية السعودية وقطر وتركيا على وقع تمدّد التنظيم الإرهابي في سوريا وإنحساره في العراق، وقد حاول المؤتمرون معالجة النتائج من دون الإلتفات إلى أهم الأسباب المتمثلة بمعالجة مسألة تمويل الإرهاب وتجفيف منابعه، فضلاً عن معاقبة كافة الدول التي تدعمه وتسلحه أو تسهل مروره إلى العراق، ما يؤكد أن نتائجه لن تكون بعيدة عن مؤتمر لندن الذي عُقد في كانون الثاني/يناير الماضي.
النتائج
لم تكن طموحات العراق متوازية مع نتائج باريس وهذا ما تجلى أثناء مؤتمر العبادي عندما قال إن “عددا كبيرا من الدول وعدتنا بالدعم ولم يصلنا إلا القليل منها"، وحسب مصادر باريس طرح وزير الخارجية الفرنسي النقاط التالية وطالب بتنفيذها:
أولاً إجراء "إصلاحات" حكومية في العراق وإعادة صياغة المواقع الحكومية من زاوية مذهبية وطرح إعطاء مراكز أكثر في الامن والعسكر للأطراف السنية العراقية.
ثانياً التسريع بتشكيل مجلس وطني عراقي جديد يضم عشائر الانبار.
ثالثاً وقف العمل بقانون اجتثاث البعث .
رابعاً إطلاق سراح ضباط سابقين وضمهم الى الجيش العراقي "بسبب خبرتهم في العشائر الداعمة لـ"داعش".
خامساً اصدار قانون العفو الذي وعدت به الحكومة العراقية.
سادساً اعلان الحكومة العراقية أن الحشد الشعبي ميليشيات خارجة عن القانون.
كواليس المؤتمر
قبل الدخول في دلالات المبادرة الفرنسية وتفنيدها لا بد من سرد بعض الكواليس التي حصلت في مؤتمر باريس، فقد أشار مصدر فرنسي إلى إستياء رئيس الوزراء العراقي حيدرالعبادي من المطالب الفرنسية وخاصةً فيما يتعلق بالحشد الشعبي. المصدر نفسه أكد على وجود تباين في وجهات النظر بين فرنسا وأمريكا خاصة عندما أكد وفد واشنطن على ضرورة محاربة تنظيم داعش الإرهابي في سوريا حتى لو كان الأمر في صالح "النظام السوري"، الأمر الذي اعتبره الجانب الفرنسي مرفوضاً، واضعاً "إسقاط الأسد" على رأس سلّم أولوياته حتى لو أثر ذلك على الحرب ضد "داعش" الإرهابي.
دلالات النتائج
تشير نتائج المبادرة الفرنسية إلى خيبة امل عراقية غير مسبوقة، خاصةً أن بنودها لم تغير من واقع "التحالف الدولي" عسكرياً، بل جدّدت أمريكا منعها للعراق بالتزود بالسلاح من روسيا وإيران بسبب العقوبات المفروضة على هذين البلدين، كما أن أغلب بنود المبادرة الفرنسية لا تراها الحكومة العراقية في صالح شعبها.
الطروحات التي تعلقت "بإجتثاث البعث" أو "إطلاق سراح ضباط سابقين" أو" اصدار قانون العفو" تطرح العديد من التساؤلات حول المستفيد الأكبر من هذه البنود، ألا تشير المطالعة الاولية للقيادات العسكرية في التنظيم الإرهابي إلى وجود قيادات عدّة من الحزب البعثي؟ ألم يتواطأ العديد من "فلول البعث" في سيناريو الموصل؟ ألا يصب هذا الأمر في صالح تنظيم داعش الإرهابي؟
اما بالنسبة إلى البند الذي يتعلق بـ"اعلان الحكومة العراقية أن الحشد الشعبي ميليشيات خارجة عن القانون"، فلا تختلف النتيجة هنا عن سابقتها خاصةً أن هذه القوات التي تضم حوالي الـ13 ألف سني عراقي سطّرت أروع الإنتصارات والملاحم البطولية في وجه التنظيم الإرهابي.
الموقف الفرنسي
لم يكن الموقف الفرنسي متوقعاً بهذه الوتيرة، إلا أن المطالعة الدقيقة للعلاقات الفرنسية-الخليجية في الآونة الأخيرة، تشير إلى أن الأولى باتت ممثلاً رسمياً لهذه الدول عالمياً، فقد نجحت دول مجلس التعاون عبر الصفقات العسكرية التي أبرمتها مع باريس بمليارات الدولارات في كسب ودّ الرئيس الفرنسي. ما يدعم هذا القول هو الموقف الفرنسي المشابه أثناء المفاوضات النووية الاخيرة بين إيران والدول الست، حيث كانت تمثّل باريس الجانب الخليجي في المفاوضات، معتمدةً سياسة "العصي في الدواليب" والدخول في التفاصيل.
لا شك أن تباين الآراء في الموقفين الفرنسي-الأمريكي مرده تضارب المصالح بين البلدين، فأمريكا التي تريد المحافظة على مصالحها في المنطقة، تسعى للإستفادة من داعش ولكن ضمن خطوطها الحمراء. أما فرنسا التي لا تمتلك مصالح إقتصادية على أراضي الشرق الأوسط، فتجد ضالتها في الدعم الخليجي الذي أنقذ الإقتصاد الفرنسي، ومنع إنهيار العديد من شركات الأسلحة وهنا يكمن "بيت القصيد" في الموقف الفرنسي.
يبدو أن "دار لقمان بقيت على حالها"، فلم يأت المؤتمر بشيء جديد سوى بعض التطمينات والعبارات الفضفاضة التي لا تسمن ولا تغني الواقع العسكري، لا بل على العكس تريد فرنسا ومن خلفها بعض الدول الإقليمية وضع حد لنجاحات القوات العراقية التي تريد إجتثاث داعش الإرهابي.
لم يختلف لسان حال العبادي عن كافة أبناء شعبه الذين يسمعون جعجعة التحالف الدولي ولا يرون طحنه، بل باتوا يشعرون أن فرنسا ومدعومةً من بعض دول مجلس التعاون تريد لداعش أن يتمدّد.. ولكن في باريس!