الوقت - يعتقد بعض السياسيين الأمريكيين، بأن الحكومات الأمريكية، "كحكومة ترامب وحكومة اوباما"، لم تعالج بشكل كافٍ مسألة الصواريخ الباليستية والأنشطة الإقليمية الإيرانية، ولم تبذل جهداً لنزع الأسلحة من مناطق غرب آسيا ولم تمنع كوريا الشمالية من الاستمرار في برنامجها النووي وإنتاج أسلحة نووية بعيدة المدى. ولذلك، فإن هنالك محاولات تجري من اتجاهين للسيطرة على السياسة الخارجية لترامب، لكي تتمكن الولايات المتحدة من مواجهة إيران وروسيا وكوريا الشمالية. فمن جهة، يسعى ممثلو الكونغرس الأمريكي لتصحيح وتوجيه هذه السياسة ومن جهة اُخرى يقوم مجلس الأمن القومي الأمريكي برئاسة "روبرت ماك ماستر" مستشار الأمن القومي في حكومة ترامب، بنفس هذا الأمر. سنقوم هنا بمناقشة بعض الملاحظات والأسباب لمعارضة هاتين الجهتين للسياسة الخارجية لحكومة ترامب:
1- تحديات الكونغرس الأمريكي:
وافق المشرعون الأمريكيون على اتخاذ مواقف صارمة بشأن بعض التحديات الأمنية الخطيرة. ونتيجة لذلك، فقد وافق الكونغرس على بعض قوانين العقوبات الجديدة من اجل التصدي لهذه التهديدات. حيث تم فرض بعض العقوبات الجديدة على روسيا نظرا لقيامها ببعض الأعمال العدوانية (حسب وجهة النظر الأمريکية) في مناطق غرب آسيا ولتدخلها في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وتم إضافة هذه العقوبات إلى العقوبات السابقة وذلك من اجل زيادة الضغط على روسيا. وسيتم توسيع نطاق العقوبات الجديدة المفروضة على روسيا لتشمل مجالات الدفاع والاستخبارات والطاقة والبنوك والسكك الحديدية والتعدين وسوف يتم أيضا التعامل بصرامة مع التدخلات الروسية في سوريا ودعمها لنظام الرئیس بشار الأسد.
يريد الكونغرس الأمريكي، بوضعه لهذه العقوبات، أن يوجه رسالة واضحة للكرملين الروسي بأن الولايات المتحدة لن تتسامح مع تورطها وتدخلها في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. ونظرا لموافقة الكونغرس الأمريكي على كل هذه العقوبات، فإنه بذلك سيفرض الكثير من الأموال على النظام السياسي في الولايات المتحدة. ولمعرفة لماذا تحد لائحة القانونين هذه من الفوائد المرجوة من هذه العقوبات التي تعتبر أداة من أدوات الحكومة، فإن ذلك يفسر بعاملين:
العامل الأول هو عدم قدرة الكونغرس على تنفيذ هذه العقوبات على نحو سليم خلال فترة مستدامة، الجدير بالذكر هنا بأن الكونغرس يتمتع بالقدرة على خفض العقوبات ولكنه يُظهر مقاومة لعملية تعديل هذه العقوبات وذلك لأنه يفتقر إلى مصادر المعلومات اللازمة ويفتقر إلى هيكل تنظيمي بيروقراطي. ونتيجة لهذا كله، فإن الكونغرس يعمل على إبطاء مسير العمليات السياسية وعلى جعل هيكل العقوبات أكثر صرامة.
والعامل الثاني هو تقليل حافز تغيير السياسات عند منافسيه وذلك بجعل الحكومة الروسية تقطع تعاملها مع ترامب وتكتفي بالعمل مع الكونغرس فقط، وهذا الأمر سيقلل من إمكانية عقد حوارات واتفاقات بين البلدين وسيجعل العملية السياسية أكثر تعقيدا. إن عواقب هذه السياسة لن تنتهي هنا، فمن المرجح أن يكرر الكونغرس هذا الإجراء المباشر في مشروع العقوبات المقبل والذي يمكن أن يحد من قدرة السلطة التنفيذية والرؤساء القادمين.
إن مشروع العقوبات الذي قام الكونغرس الأمريكي بالموافقة عليه، يعرب عن عدم رضاه من السياسة الخارجية لترامب تجاه إيران وروسيا وكوريا الشمالية، وهو في الأساس محاولة واضحة لحماية الأمن القومي الأمريكي من العمليات السياسية التي من المعتقد أن يقوم بها ترامب والتي لا يمكن التنبؤ بها. وتجدر الاشارة هنا بأن التصديق على مشروع العقوبات هذا، على الرغم من معارضة البيت الأبيض له، يعد انتصاراً للكونغرس وسيستمر النضال للسيطرة على السياسة الخارجية الأمريكية. ويبدو أن الكونغرس يدعو إلى الحد من صلاحيات رئيس الجمهورية فيما يخص قضايا العقوبات.
2- تحدي مستشار الأمن القومي: الجنرال "ماك ماستر"
إختار الرئيس الأمريكي الجنرال "روبرت ماك ماستر" ليكون مستشارا للأمن القومي للبيت الأبيض كبديل عن "مايكل فلين" الذي أُجبر على الاستقالة بعد الكشف عن علاقته بالسفير الروسي. ويُعرف "ماك ماستر"، الذي عُين مستشارا جديدا للأمن القومى للبيت الأبيض، بالدور الذي لعبه في حرب الخليج الفارسي والعمليات العسكرية الأمريكية في العراق وأفغانستان.
لقد وعد "ترامب" بتحويل أولوية السياسة الخارجية الأمريكية من العولمة التي اتبعتها الحكومات السابقة، إلى نوع من القومية التي تعطي الأولوية لأمريكا (السياسة الأمريكية أولاً). كما وعد بمحاربة ما أسماه التطرف، وبعرقلة الاتفاق النووي مع إيران وإعادة بناء علاقات قوية مع الکيان الإسرائيلي عن طريق نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس المحتلة.
الجدير بالذكر هنا انه بعد مجيء ترامب، انقسم الصراع على السلطة داخل البيت الأبيض بين مجموعتين: مجموعة يقودها "ستيف بينون"، وهو خبير استراتيجي سابق في البيت الأبيض وكان مواليا لجميع برامج ترامب السياسية، ومجموعة بقيادة "ماك ماستر" مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض والذي يبدو انه عازم على مواصلة سياسات أوباما السابقة. لقد وجه "ماك ماستر" الكثير من الانتقادات للسياسات التي قام بها ترامب فيما يخص أفغانستان والصين وكوبا والکيان الإسرائيلي وإيران والمكسيك والناتو وكوريا الشمالية وروسيا وسوريا، واتُهم بأنه يسعى إلى إضعاف جدول أعمال السياسة الخارجية لترامب.
الإسلام: بشكل عام، لقد كان رأي "ماك ماستر" فيما يخص السياسة الخارجية، مغايراً لوجهات نظر "فلين". فلقد تحدث "فلين" عن تصادم الحضارة الغربية مع الإسلام وصرح بأن الكفاح ضد الجهاد الإسلامي لا يمكن أن ينجح دون تدمير الأيديولوجية الإسلامية. بينما رفض "ماك ماستر" وجهة النظر هذه. الجدير بالذكر هنا أن "ماك ماستر" نصح موظفي مجلس الأمن الوطني خلال اجتماعه الأول بهم، بتجنب استخدام مصطلح "الإرهاب الإسلامي المتطرف". وذلك لأنه يرى، بأن الجماعات الارهابية مثل داعش تمثل الإسلام المنحرف.
ويبدو أن خطاب "ماك ماستر" كان له تأثير على "ترامب". فلقد حاول "ترامب" توخي الحذر في خطابه الذي القاه أثناء زيارته للسعودية، التي تعد أكبر مؤيدي التطرف في العالم، حيث قال: "نحن لسنا هنا لقراءة خطاب، نحن لسنا هنا لمعرفة كيفية العيش أو العبادة، نحن هنا للتعاون على أساس المصالح المشتركة".
الکيان الإسرائيلي: من جهة اُخرى، قام "ستيف بنون"، باستخدام وسائل الإعلام الموالية له، مثل صحيفة "بريت بارت"، لتشويه صورة "ماك ماستر" وإظهاره بأنه عدو للصهيونية. لكن ترامب، قام بدعم "ماك ماستر" واصدر بياناً لمنع استمرار مثل هذه الأعمال. وبعد وقت قصير من هذا البيان، تم إخراج "ستيفبينون" من البيت الأبيض وإرجاعه للعمل في صحيفة "بريت بارت".
معاهدة الاتفاق النووي: لم يكن موقف "ماك ماستر" واضحا فيما يخص معاهدة الاتفاق النووي. ففي الوقت الذي كان يعتقد فيه بأن هذا الاتفاق لم يغير شيئاً في سلوك إيران، كان أيضا يقوم بالضغط على "ترامب" للاعتراف بأن إيران ملتزمة بهذا الاتفاق. ويعتقد الكثيرون أنه يسعى جاهداً لمنع "ترامب" بالقيام بإلغاء هذه الاتفاقية.
شبه الجزيرة الكورية: نشر أنظمة الدفاع الصاروخية "تود" في كوريا الجنوبية، يعد مثالاً آخر على هذه النقاشات. فلقد طلب "ترامب" من كوريا الجنوبية دفع مبلغ مليار دولار لتثبيت هذه المنظومة الصاروخية فيها ومن جهة اُخرى طمأن "ماك ماستر" السلطات في كوريا الجنوبية بالتزام الحكومة الأمريكية بهذا الاتفاق.