الوقت- بعد توصل روسيا وأمريكا إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار جنوب سوريا، توقع البعض بأن تكون "إسرائيل" أول المرحبين بهذا الاتفاق، باعتباره سيمنع القوات السورية من الاقتراب من الجولان المحتل، إلاّ أن هذا التوقع ذهب أدراج الرياح بعد أن أفصحت تل أبيب عن نواياها والتي بينت بشكل لا لبس فيه بأنها تعارض الاتفاق المذكور لأسباب يمكن تلخيصها بما يلي:
- يتيح الاتفاق المجال للقوات السورية والقوات الحليفة لها "إيران وروسيا ومحور المقاومة" للتفرغ لمطاردة الجماعات الإرهابية في الجبهتين الشمالية والشرقية بعد أن حققت انتصارات باهرة على هذه الجماعات في مناطق كثيرة من البلاد.
- تخشى إسرائيل هزيمة الجماعات الإرهابية في سوريا خصوصاً "داعش" و"جبهة النصرة" لاعتقادها بأن ذلك سيمهد السبيل لإيران وحزب الله لتعزيز قوتهما في عموم المنطقة. وهذا الأمر يكشف بوضوح علاقة التنظيمات الإرهابية بالكيان الصهيوني.
- تعتقد إسرائيل بأن انتهاء الأزمة في سوريا والعراق ولو بشكل نسبي سيتيح الفرصة لإيران وسوريا ومحور المقاومة بالتوجه لإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة العالمية من جديد خصوصاً وإن الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة على الأبواب.
- أصيبت إسرائيل بالإحباط بعد فشلها في إقناع أمريكا بالتحرك لإخراج إيران وحزب الله من سوريا رغم إرسالها وفداً أمنياً رفيع المستوى إلى واشنطن لهذا الغرض برئاسة رئيس الموساد "يوسي كوهِن". ومن المعلوم أن الإدارة الأمريكية تخشى من التورط أكثر في المستنقع السوري على غرار ما حصل لها في العراق.
- ما يقلق إسرائيل أكثر هو انشغال الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" وإدارته بالمشاكل الداخلية والأزمة مع كوريا الشمالية والذي أثر بشكل واضح على موقفها ومستوى مشاركتها في الأزمة السورية، وهو ما يعني بالتالي التراجع وترك إسرائيل وحدها في مواجهة إيران وحزب الله في حال انتهت الأزمة في سوريا والعراق.
- تعتقد إسرائيل أيضاً بأن انتصار القوات السورية والقوات الحليفة لها على الجماعات الإرهابية سيمهد الأرضية لإيران وحزب الله للتركيز على جبهة الجولان المحتل، وهو ما يعني لتل أبيب فقد الامتياز الذي حصلت عليه في السنوات الأخيرة بسيطرة التنظيمات الإرهابية على مناطق في جنوب سوريا، والتي اتخذت من الجولان شكل الطوق الذي يعمل كخط اشتباك أول بين المقاومة وجيش الاحتلال.
- تعتبر استعادة القوات السورية السيطرة على المناطق التي كانت تحت سيطرة الجماعات الإرهابية في الجنوب، بمثابة إجهاض لمخططات المناطق العازلة التي رمت إليها تل أبيب ونصحت دوائرها الأمنية بالعمل على إيجادها على أسس عرقية "مثل مستوطنات الدروز في الجولان" التي من شأنها أن توفر عمقاً استراتيجياً إسرائيلياً داخل سوريا، وهذا السيناريو قد تم إجهاضه بفعل الانتصارات العسكرية الأخيرة للجيش السوري.
- جدير بالذكر أن التوصيات الاستراتيجية التي قدمتها مراكز الأبحاث الاستراتيجية الإسرائيلية، مثل معهد أبحاث الأمن القومي، ذكرت أن أسوأ سيناريو يمكن أن يحدث بالنسبة لتل أبيب هو انتصار محور المقاومة المدعوم من قبل إيران على الجماعات الإرهابية ومن ثم توجيه هذا المحور قوته ضد الوجود الإسرائيلي، سواء بإعادة حزب الله حشد قواه بالكامل ضد إسرائيل، أو بتمكن الحزب ومن ورائه إيران وسوريا من خلق نقاط ارتكاز وفتح جبهات جديدة على الحدود الشمالية والشرقية لفلسطين المحتلة.
- تراقب تل أبيب ما يحصل في سوريا باهتمام خصوصاً هزائم الجماعات الإرهابية، ما يعني قرب انتهاء الأزمة في هذا البلد والذي ستكون له ردود فعل مهمة على المستويين الميداني والسياسي، سواء فيما يتعلق بإعادة التوازن العسكري للجيش السوري وحلفائه والتركيز على الجبهة الجنوبية، وهو ما يترجم في تل أبيب بوصول المقاومة وإيران إلى الحدود الشرقية والشمالية لفلسطين المحتلة
بناءً على هذه التطورات لن يكون مستبعداً أن تطل إسرائيل برأسها في سوريا بالتدخل العسكري المباشر، وهو الأمر الذي كان مستبعداً وغير مُفضل من جانب الساسة والعسكريين في تل أبيب طيلة سنوات الأزمة السورية، لكن على ضوء هذه التطورات قد يكون الحل الأنسب لتل أبيب هو إيجاد ذريعة تدخل في الأرض السورية، تؤمن حاجتها في إبقاء الجبهة الجنوبية على حالها، أو بالحد الأدنى إبعاد المقاومة عن الحدود الملاصقة لسوريا.
ختاماً يمكن القول بأن إسرائيل تأمل باستمرار التوتر الأمني في العرق وسوريا وتعوّل على بقايا "داعش" والجماعات الإرهابية الأخرى للقيام بهذا الدور، كما تعوّل على مطالبة قيادة إقليم كردستان العراق بالانفصال عن هذا البلد، وتسعى في الوقت نفسه لإقناع روسيا بالتأثير على إيران وحزب الله للخروج من سوريا. ومن المقرر أن يقوم رئيس الوزراء الصهيوني "بنيامين نتنياهو" بزيارة روسيا للقاء الرئيس "فلاديمير بوتين" يوم غد الأربعاء لهذا الغرض، وكذلك لمناقشة الاتفاق الروسي - الأمريكي الخاص بوقف إطلاق النار في جنوب سوريا.