الوقت - تعتبر مدينة إدلب في الوقت الحاضر من أبرز المناطق الساخنة في الأزمة السورية بعد وقوعها تحت سيطرة ما يسمى "هيئة تحرير الشام" والتي كانت تُعرف سابقاً باسم "جبهة النصرة" وانحسار نفوذ جماعات أخرى أهمها "حركة أحرار الشام" التي تحظى بدعم تركيا.
وتواجه أنقرة معضلتين أساسيتين في شمال سوريا؛ الأولى تتمثل بتمدد نفوذ الأكراد المدعومين من قبل أمريكا، والثانية بسيطرة "جبهة النصرة" على أجزاء واسعة من إدلب القريبة من الحدود التركية.
وتأتي أهمية إدلب بالنسبة لتركيا، من كون تنظيم "الاتحاد الديموقراطي" الكردي "PYD" يسيطر على كامل الحدود التركية السورية، باستثناء إدلب، ومدينتي جرابلس والباب، في ريف حلب، اللتين تمّت السيطرة عليهما خلال عملية "درع الفرات" التي قادتها تركيا قبل عدة أشهر.
وكانت "هيئة تحرير الشام" قد سيطرت على إدلب والشريط الحدودي مع تركيا بعد انسحاب "حركة أحرار الشام" من مواقعها، إثر اشتباكات بينها وبين الهيئة في تموز/يوليو الماضي.
ويعتقد المراقبون بأن إمام تركيا ثلاثة سيناريوهات في إدلب يمكن تلخيصها على النحو التالي :
السيناريو الأول: التفرد بشن هجوم عسكري على المدينة
يواجه هذه السيناريو معارضة من قبل إيران وروسيا لاعتقادهما بأن أنقرة لا تريد تحرير المدينة من الجماعات الإرهابية؛ بل تسعى لتقوية نفوذ الجماعات المرتبطة بها ومن بينها ما يسمى "الجيش الحر".
وما يقوي احتمال حصول هذا السيناريو هو أعلان الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" قبل أيام بأن بلاده بصدد شن هجوم على إدلب. كما ذكرت صحيفة "دايلي صباح" المقربة من الحكومة التركية بأن استعدادات أنقرة قد انتهت من أجل تنفيذ عملية في سوريا سيُطلق عليها "حبل الوريد"بهدف السيطرة على إدلب.
السيناريو الثاني: ضم إدلب لمناطق "خفض التصعيد" في سوريا
يعتقد المراقبون بأن هذا السيناريو يمكن تحققه من خلال التنسيق مع إيران وروسيا، مشيرين في هذا الخصوص إلى زيارة رئيس أركان الجيش الإيراني اللواء "محمد حسين باقري" التي قام بها مؤخراً إلى أنقرة والتقى خلالها بالمسؤولين الأتراك وفي مقدمتهم الرئيس أردوغان ووزير الدفاع "نور الدين جانيكلي" ورئيس أركان الجيش التركي "خلوصي أكار".
ويعزز هذا الاعتقاد الزيارة المرتقبة لرئيس هيئة الأركان العامة للجيش الروسي الجنرال "فاليري غيراسيموف" إلى أنقرة لمناقشة الوضع في إدلب حسبما أعلن وزير الخارجية التركي "مولود تشاووش أوغلو ".
وكانت روسيا وتركيا وإيران (بوصفها أطرافاً ضامنة) اتفقت على إنشاء أربع مناطق لخفض التصعيد في سوريا، إحداها في إدلب في إطار المباحثات التي جرت بالعاصمة الكازاخية "آستانة" في مايو/أيار الماضي.
السيناريو الثالث: هجوم عسكري على إدلب بمشاركة إيران وروسيا
يرى المتابعون إن تحقق هذه السيناريو يعتمد إلى حد كبير على مدى موافقة طهران وموسكو للاشتراك في تنفيذه، مشيرين في هذا الصدد إلى أن إيران وروسيا يمكنهما البدء بالهجوم من المحور الجنوبي لإدلب فيما تقوم تركيا بالتقدم من الشمال.
ويرجح المراقبون السيناريو الثالث باعتبار أن روسيا وإيران تريدان تطهير إدلب من الجماعات الإرهابية، وهذا السيناريو يتوافق مع رغبة تركيا خصوصاً وإن موسكو لا ترى بأساً في استخدام ورقة تنظيم "PYD" عند الضرورة، تماماً مثلما فعلت في عملية "درع الفرات" ضد تنظيم "داعش".
وتعكف أنقرة حالياً على إجراء مشاورات مع طهران وموسكو بشأن إدلب، وسط تأكيد الرئيس التركي عن أمله بحل سريع لهذه القضية.
ومع هذا ما زالت أولوية تركيا في سوريا هي منع تأسيس كيان سياسي أو قيام "منطقة حكم ذاتي" للفصائل الكردية المسلحة في شمالي البلاد، نظراً لعلاقتها العضوية بـ"حزب العمال الكردستاني" المحظور من قبل أنقرة وتأثيرها المتوقع على الملف الكردي الداخلي.
وتدرك تركيا صعوبة استثناء الفصائل الكردية من الحل السياسي في سوريا، خاصة في ظل الدعم المقدم لها من واشنطن وموسكو على حد سواء، إذ لا تعتبران حزب "الاتحاد الديمقراطي" وذراعه العسكري "قوات حماية الشعب" منظمات إرهابية كما تفعل أنقرة.
أخيراً لابدّ من الإشارة إلى أن إدلب تتميز بموقعها الجغرافي المهم، وكانت تمثل منقطة استراتيجية حيوية على مدار السنوات الست التي مضت على الأزمة السورية، وستكون كذلك مستقبلاً، سلماً أم حرباً.