الوقت- يجمع خبراء السياسة في المنطقة والعالم على وجود تداعيات كبيرة للازمة الخليجية، والحصار المفروض على قطر. البعض يؤكد أن نتائج الأزمة تتمثّل بزوال مجلس التعاون فعلياً، لا نظرياً، سواءً زالت الأزمة أم بقيت.
ورغم أن الأزمة قد أثّرت بعض الشيئ، ولكن ليس كما كان متوقّعاً، إلا أن "الأزمة الخليجية الراهنة تخفي خلفها أخطارا جسيمة لكافة أطرافها" وفق صحيفة فرانكفورتر التي تعد صحيفة النخبة وصناع القرار بألمانيا. تضيف الصحيفة: في مقال بعنوان "ثمن أزمة قطر": إن حصار قطر ومحاولة عزلها سيلحق ضررا فادحا بعموم منطقة الخليج خاصة بالمملكة العربية السعودية، ويهدد مجلس التعاون الخليجي.
هذه النتيجة ظهرت على الصفحات الأولى للعديد من الصحف العالمية، فقد جاء في جريدة "فايننشال تايمز" البريطانية " إن تداعيات وآثار الأزمة الخليجية الحالية سوف يتجاوز دولة قطر ويمتد إلى الخليج بأكمله، مشيرةً إلى أن "مجلس التعاون الخليجي يواجه خطر التمزق بعدما قامت السعودية وحلفاؤها بخطوة غير مسبوقة بفرض حصار على واحدة من الدول الأعضاء وهي قطر، وهو الحصار الذي يهدد دعائم الكتلة الخليجية".
في الحقيقة، إن السعي السعودي للهيمنة على مجلس التعاون يدفع به نحو الهاوية سريعا. فرغم أن الفضل في فكرة إنشاء المجلس يعود إلى أمير دولة الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح، إلا أن الرياض ظلت هي المقر الرئيس للمجلس منذ تاسيسه كنتيجة لاجتماع انعقد في الرياض يوم 25 أيار/مايو 1981. هذا ما يظهر من الخلاف مع قطر، وسابقا مع سلطنة عمان ولو بسلاح ناعم، فضلاً عن رفض انضمام اليمن، ولاحقاً شنّ العدوان عليه.
لا ينتابنا أيّ شكّ أن السعوديّة تسعى نظرياً لتعزيز مجلس التعاون على الصعيدين السياسي والاقتصادي. هذا ما ظهر على لسان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي تحدّث عن إمكانية لتحول مجموعة دول مجلس التعاون إلى قوة اقتصادية عالمية إذا تعززت عمليات الاندماج، ولكن عملياً يفعل ولي العهد السعودي خلاف ذلك عبر سعيه للسيطرة على المجلس سواءً حصار قطر أو الفتور مع سلطنة عمان. يقول نائب رئيس مجلس الوزراء القطري ووزير الطاقة والصناعة القطري السابق، عبد الله بن حمد العطية، "قطر استوعبت درسا قاسيا من الأزمة الحالية، "لكنه درس مفيد لنا كيف نتعامل مع اقتصادنا وأسواقنا واعتمادنا على النفس أكثر من اعتمادنا على الآخرين"، مؤكدا أن قطر لن تعود كما كانت وقد تعلمت ألا تثق بالأخوة والأشقاء بعد أن فرضوا هذا الحصار عليها. عدم الثقة هذا قائم في سلطنة عمان منذ زمن، والإمارات كذلك الأمر في ظل سعيها للسيطرة، في حين أن البحرين غير محسوبة في المعادلة الخليجية.
إن الأزمة الحالية قوضت ثقة الدوحة بمجلس التعاون، الأمر الذي سينعكس على مواقفها في مرحلة ما بعد الأزمة، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى النقاط التالية:
أوّلاً: تشكل الأزمة الخليجية الراهنة أكبر تهديد لمجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه في العام 1981، باعتبار أنّها الأعمق سياسياً، فلم يسبق أن تعرضت أي دولة لحصار اقتصادي وسياسي كالذي تتعرض له قطر اليوم. ربّما تصدر السعوديّة التي تهيمن على مجلس التعاون، قراراً بطرد قطر الأمر الذي يهدّد بالانهيار التام لمجلس التعاون او اقتصاره شكليّاً على السعوديّة والإمارات.
ثانياً: أشرنا في العنوان إلى أن الأزمة هي خطوة نحو زوال مجلس التعاون، وليست السبب الوحيد. أي أن هذه الخطوة سبقتها خطوات عدّة، وستليها خطوات أخرى. ولو أردنا البحث في الأسباب لوجدنا أن السعي السعودي للسيطرة التامّة على قرارت المجلس تحت شعار الشقيقة الكبرى أوصل مجلس التعاون إلى ما هو عليه بعد تضائل دوره في السنوات الماضيّة. من الأزمات السابقة أيضا رفض سلطنة عمان تحويله لاتحاد نقدي ولاندماج أعضائه عسكريا، إضافةً إلى عدم قبول الكويت لبعض الإملاءات من جارتها، مقابل مطالبة الإمارات بجعل أبو ظبي مقرا للبنك المركزي الخليجي، ورفض السعودية لهذا الطلب.
ثالثاً: لا يقتصر العداء والخلاف في المجلس على قطر التي تعرّضت للعزلة في وقت سابق بعد سحب السفراء. فسلطنة عمان باتت عضويتها شكليّة في هذا المجلس حيث نأت بنفسها عن التصرّفات السعوديّة. ذات الأمر بالنسبة للكويت التي تريد النأي بالنفس، إلا أنّها تخشى أي خطوات سعوديّة تجاهها. هذا ما بدا واضحاً في الأزمة الخليجية القائمة على اعتبار أن موقف كل من دولة الكويت وسلطنة عُمان واضح برفض الاجراءات السعودية والاماراتية ضد الدوحة.
رابعاً: إن إحساس قطر بعدم الطمأنينة، التي أثبت الواقع أنه احساس في مكانه، دفع بها نحو خطوات تعارضها كافّة العواصم الخليجية، وتلك التي تتمثّل بإنشاء قاعدة عسكرية تركية، دفعت بهذه الدول لاتهام الدوحة بعسكرة الأزمة. رغم أن هذا الاتهام سياسي بسبب وجود العديد من القواعد الأمريكية والبريطانيّة في الدول الخليجية، إلا أن التعاون العسكري بين قطر وتركيا أثار حفيظة الدول الثلاث المُحاصِرة.
يستبعد خبراء طرد الدوحة من المجلس، لأن السعوديّة أدركت وصولها إلى حائط مسدود في أمة قطر. ولكن فعلياً انتهى مجلس التعاون الذي ستقتصر مفاعيله على جلسات شكلّية كقرارات الجامعة العربيةّ، والمسمار الأخيرة في نعش هذا المجلس سيكون عبر خلاف سعودي إماراتي بين المحمدين.. والزمن بيننا.