الوقت- السينما تحلق بمشاهديها عاليا لتكشف لهم حقائق موثقة وترتقي بهم وبتفكيرهم، كاشفة الستار عما يجري في كواليس وأقبية بعض الأنظمة، ولكي نكون منصفين هذا لا يعني أبدا أن الحكومات وأجهزة الاستخبارات لا تفرض قيودها على السينما بل على العكس تسعى للاستفادة منها واستخدمها لتلميع صورتها أمام مواطنيها ومواطني الدول الأخرى.
وبين الأسلوبين المتبعين من قبل الأنظمة الأمنية تخرج بعض الأفلام إلينا هاربة من رقابة الدولة لتخبرنا بما يجري داخل تلك الدولة، الأمثلة كثيرة في هذا الملف، لكن دعونا في البداية نعطي مثال عن الولايات المتحدة بما أنها تملك أضخم الإنتاجات السينمائية العالمية وتسعى دائما لتلميع صورتها أمام دول العالم وإبراز نفسها بأنها "المنقذ الوحيد" للكرة الأرضية.
الولايات المتحدة الأمريكية لمن لا يعلم دفعت ملايين الدولارات على بعض الأفلام السينمائية لمحاولة غسل وجهها القبيح في عمليات التعذيب الممنهجة وغير المسبوقة في غوانتانامو بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر، وللتأكيد عند مشاهدتك لأي فيلم يتحدث عن أحداث سجن غوانتانامو تجد أن المخرج يتجنب إبراز ممارسات التعذيب غير القانونية أو شديدة الأذى على الشاشات، فنجد العديد من الأفلام السينمائية الأمريكية التي تناولت مسألة الإرهاب وتوابع 11-9 تتكرر بها نفس مشاهد التعذيب الساذجة تقريبا إلا القليل الذي كان أكثر جرأة.
أما المملكة العربية السعودية التي لاتتم فيها أي فعالية سينمائية كونها تحرم هذا الفن لذلك لاتوجد فيها أية صالة عرض أو إنتاج سينمائي، ولكنها بالمقابل تملك الكثير من المال الذي تشتري به بعض صناع الأفلام، ومع ذلك لم تستطع أن تهرب من بعض المخرجين الجرئيين الذين قاموا بفضح ممارسات آل سعود داخل المملكة وخارجها.
ملك الرمال
نبدأ بفيلم "مللك الرمال" لمخرجه السوري نجدت اسماعيل أنزور الذي كشف الستار عن قصة صعود الملك الراحل عبد العزيزآل سعود، وتأسيس المملكة العربية السعودية في مطلع القرن العشرين، ويروي الفيلم قصة صعود الملك من زعيم قبيلة مغمور في الكويت إلى حاكم بلا منازع في شبه الجزيرة العربية، وأبرز الفيلم جانبا من اتفاق أبرم بين بريطانيا وابن سعود وكيف أنه تلقى دعما بالمال والسلاح لإنهاء الحكم العثماني في جزيرة العرب.
واجه الفيلم حملة مضادة وانتقادا كبيرا من قبل الأسرة الحاكمة في السعودية، وحاولت السعودية منعه من العرض لكنها فشلت في ذلك، ليعرض الفيلم فيما بعد ولأول مرة في العاصمة البريطانية لندن في سبتمبر/ أيلول من العام 2013، ومن ثم تم عرضه في دار الأوبرا في دمشق رغم كل التهديدات التي تعرض له صناع العمل.
"A Hologram For The King 2016"
تدور أحداث الفيلم داخل أسوار المملكة السعودية، حول رجل أعمال أمريكي يحاول النجاة من شبح الإفلاس عن طريق الوصول إلى صفقة مع أحد أمراء السعودية الأثرياء الذي يملك استثمارات واسعة، وفي أثناء تواجده بالمملكة يقع في حب طبيبته السعودية التي أدت دورها الممثلة الإنجليزية-الهندية ساريتا تشودري.
الفيلم من إخراج توم تويكر وبطولة توم هانكس، واستعان المخرج ببعض الممثلين الذين ينتمون لأصول عربية مثل ظافر العابدين، وبعد عرض الفيلم واجه صناعه انتقادات لاذعة من من السعوديين بحجة أن الفيلم يشوه صورة السعودية، خاصة أن الفيلم أظهر السعودية كمساحة واسعة من الصحراء الشاسعة بها بعض المناطق المتمدنة التي يملكها الأمراء، كما أظهر الفيلم التناقض في المجتمع السعودي بين حياة العامة الذين يتعرضون لأحكام الشريعة الإسلامية والجلد أو الإعدام العلني في الشوارع كعقاب ديني عن بعض الأفعال كالزنا، وبين حياة الأمراء المليئة بالهرج والمرح وشرب الخمر والعلاقات النسائية وحياتهم المنفتحة للغاية بعكس ما يبدوه.
حصار مكة
يتحدث هذا الفيلم الوثائقي عن حادثة شهيرة حدثت عام 1979 تم خلالها اقتحام الحرم الملكي، مما أثار غضب المسلمين، ورأى البعض فيها محاولة انقلاب على نظام آل سعود والإطاحة به، بدأت الأحداث عندما اقتحم الحرم المكي مجموعة من المسلحين بقيادة جهيمان العتيبي، قائد التنظيم، الذي طالب الناس بمبايعة محمد عبدالله القحطاني، كخليفة للمسلمين ومجدد القرن والمهدي المنتظر، وفي ظرف دقائق انتشر مئات المسلحين بأرجاء الحرم وتمركزوا بأماكنهم وسيطروا عليه بالكامل.
وأثناء ذلك ارتبكت السلطات السعودية ووجدت نفسها أمام أزمة كبيرة لم تكن بالحسبان، وفي مواجهة أمر جلل جعلهم في البداية يخفونه عن المواطنين، ويحاولون الوصول إلى تدخل لا يريق الدماء بأروقة المسجد، حيث أن الأمر له قدسية خاصة لدى المسلمين ومحرّم بداخله القتال، لم تجد السلطات مخرجًا من الأزمة إلا بالحصول على فتاوى تجيز استخدام السلاح والتدخل العسكري والقتال داخل الحرم المكي، حتى تبرر ذلك للمواطنين بأن الضرورات تبيح المحظورات، ولا حل آخر أمامهم، وهو ما نتج عنه تحول الحرم المكي إلى ساحة حرب بين التنظيم المتطرف والسلطات السعودية، انتهى الأمر بالسيطرة الأمنية على الحرم بعد إراقة الكثير من الدماء من رجال الأمن ورجال العتيبي.
الفيلم من انتاج شبكة "BBC" البريطانية وأثار ضجة كبيرة بعد عرضه عليها.