الوقت - تقرع السعودية حالياً طبول الحرب البرية بعد مرور أسبوعين على"العاصفة" الجوية التي لم تنجح في تدمير القوة العسكرية للجيش اليمني واللجان الشعبية المدعومة من "أنصار الله"، فضلاً عن فشلها في صد تقدّم القوات اليمنية نحو مدينة عدن والمحافظات الأخرى لطرد تنظيم القاعدة والجماعات المسلحة التابعة للرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي.
أعادت تطورات تحالف "عاصفة الحزم" وبالتحديد المستجدات التي طرأت على الموقف المصري، طرح سيناريو التدخل البري كحل أساسي و جزء من خطة قوات التحالف التي تستعدّ لتنفيذه. الرئيس المصري وفي أقوى إشارة على عزم مصر توسيع مشاركتها في عملية "عاصفة الحزم" عقب جلسة طارئة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ، أكد أن "مصر لن تتخلى أبدا عن أمن الخليج"، وأنه "لن يستطيع أحد أن يقترب من أشقائنا بمن فيهم الخليج، وأى أحد سيقترب من أشقائنا سنتصدى له بالقوة"، موضحاً أن "باب المندب قضية أمن قومي مصري وعربي".
تصريحات السيسي الذي لمح إلى اجتماعات مرتقبة لمجلس الدفاع الوطني ومجلس الأمن القومي المصري ومجلس الوزراء، وهي إجراءات دستورية لازمة للموافقة على مشاركة القوات المسلحة في عمل عسكري خارجي، ترافقت مع حشد قوات عسكرية سعودية على الحدود مع اليمن، وتلاها زيارة مفاجئة لوزير الدفاع المصري إلى باكستان لتنسيق عاصفة الحزم، فما هي تكلفة الحرب البرية على اليمن؟ ما هي نقاط القوة؟ وما هي أبرز نقاط الضعف؟
لم تكن عملية "عاصفة الحزم" المواجهة العسكرية الأولى التي يكون أنصار الله طرفا فيها، فهم خاضوا بأسلحتهم البدائية معركة حدودية عام 2009 مع السعودية انتهت بدخول المقاتلين اليمنيين لحوالي 25 بلدة سعوية، إضافةً إلى ست جولات مع اللواء التابع لعلي محسن الاحمر في الجيش اليمني بين أعوام 2004 و2009.
لقد كسب الجيش اليمني وأنصار الله خلال الفترة السابقة تجربة جديدة عبر محاربتهم لتنظيم القاعدة في الداخل اليمني، ولعل "القاعدة" التي شكّلت تدخلاً برياً مبكراً وبشكل غير مباشر للتحالف السعودي في المواجهة مع الجيش واللجان الشعبية، مهّدت الطريق أمام اليمنيين لكسب خبرات قتالية في صد أي عدوان خارجي ، وبالفعل نجحت حركة أنصار الله في دحر القاعدة بعد أن فشلت العديد من الدول الإقليمية في مواجهتها.
السعودية التي اكتفت خلال الفترة السابقة بالضربات الجوية، تدرك جيداً أن تكلفة الحرب البرية ستكون باهظة الثمن بل اعتبرها العديد من الخبراء بمثابة الانتحار، لذلك عمدت إلى استدراج الجيش المصري الذي خسر في اليمن في ستينيات القرن الماضي آلاف الجنود والضباط إضافةً إلى نقلها 3000 مقاتل من جيش الإسلام في سوريا إلى محافظة حضرموت اليمنية عبر البحر، فهل ستنجح قوات التحالف في العدوان البري على اليمن؟
يؤكد قائد العملية البحرية لغلق مضيق باب المندب في حرب أكتوبر 1974، الفريق أشرف رفعت، أن "التحديات التي تواجه القوات البرية هذه المرة في اليمن أكبر بكثير من التي واجهتها القوات المصرية في التدخل السابق، حيث تواجه ميليشيات الحوثيين المدربة لسنوات، ولديها خبرة في إغلاق المنافذ المؤدية للمدن الرئيسية، وممرات الجبال"، ويوضح رفعت أن "هذا الأمر، يشكل عقبة رئيسية أمام أي جيش نظامي، يحاول استخدام المعدات الثقيلة أو المركبات المصفحة، بما يعني أن هذه الأسلحة لن تكون مجدية".
لم تنجح كافة الإمبراطوريات في احتلال اليمن نظراً لطبيعته الجغرافية وشراسة مقاتليه، كما هو حال اليمن اليوم، رغم ذلك يحظى التدخل البري من التحالف السعودي(10دول) بالعديد من نقاط القوة، كما تقف في وجهه عقبات عدّة لا يمكن التغافل عنها.
يعتبر الحشد الضخم والإمكانيات العسكرية المتطورة، وكذلك الحدود الطويلة المشتركة لليمن مع السعودية التي يصعب لأي جيش في العالم تغطيتها، فضلاً عن القدرة الاقتصادية والحرب الإعلامية التي جنّدت خلالها الرياض جيشاً من القنوات التلفزيونية وألوية من الإعلاميين وفيالق من هواة وسائل التواصل الاجتماعي، من أبرز نقاط القوة. لكن المطالعة الدقيقة لنقاط الضعف تؤكد أن أي تدخل عسكري بري في اليمن سيكون بمثابة "فيتنام جديد" للطرف المهاجم للأسباب التالية:
أولاً الخبرات العسكرية لأنصار الله في حرب العصابات، وكذلك الجيش اليمني بعد تجربة القاعدة، تعتبر من أبرز نقاط القوة التي ستواجه الجيوش النظامية المعتدية.
ثانياً تمتع الجيش اليمني واللجان الثورية بدراية كبيرة في الطبيعة الطبوغرافية، يشكل تحديا يجب أن تأخذه القوات المهاجمة بعين الاعتبار.
ثالثاً الطبيعة الجغرافية الصعبة والتي تشكل عقبة رئيسية أمام أي جيش نظامي، يحاول استخدام المعدات الثقيلة أو المركبات المصفحة، بما يعني أن هذه الأسلحة لن تكون مجدية.
رابعاً الجنود التي لا تقاتل على أراضيها أو دفاعاً عن شعبها بسبب الأموال سريعاً ما ستترك المعركة عندما تتوفر لها سبل الهروب، وفي هذا السياق يطرح حالياً تعويض آل سعود على عوائل الشهداء حسب الجنسية، فالإمارتي 500 ألف دولار، والسوداني 15 ألف دولار، أما المصري فـ5 ألاف دولار فقط.
خامساً وقوف الشعب اليمني كتفاً إلى كتف بجانب الجيش واللجان الثورية من أبرز نقاط القوة، ففي اليمن هناك ما يزيد على 60 مليون قطعة سلاح فردي فقط!
سادساً لن يسمح عنفوان الجيش المصري اذا ما تدخل برياً في اليمن، بأن يتلقى أوامره من السعودية وهذا ما سترفضه الأخيرة، وماذا ستفعل القيادات العسكرية حالياً(كانت جنوداً في حرب الاستنزاف) عندما ترى أنها تحارب إلى جنب من ساهم في تكبيدها آلاف الشهداء من رفاق السلاح؟
التدخل البري منزلق خطير يذكر بالتجربة الناصرية في ستينيات القرن الماضي، تجرّع سمّه الجيش المصري الذي أرسل لمحاربة القبائل. هناك أسباب عدّة دفعت المحللين للتأكيد على التحديات والصعوبات التي واجهتها أمريكا في أفغانستان ستكون شبيهة بما سيكون في اليمن إن لم يكن تحديا أكبر وأصعب"، فهل سيكون اليمن "فيتنام الخليج".
