الوقت - تصدرت أنباء إبرام صفقة غاز جديدة بين أنقرة وباكو عناوين الصحف. وذلك في وقت ترددت فيه تقارير عن شتاء قارس في تركيا، ما أرعب الكثير من المواطنين.
الشتاء القاسي بالمعنى الحقيقي للكلمة يعني أنه في الأشهر المقبلة ستصبح تركيا أكثر برودةً، وأسعار الوقود تثير قلق الناس. والمعنى الافتراضي والرمزي لفصل الشتاء القاسي هو اقتصاد تركيا المتأزم، والذي يواجه المزيد من المشاكل هذه الأيام بسبب الارتفاع المستمر في قيمة الدولار.
من المشاكل الخطيرة التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بالدولار، هي ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والبنزين والديزل. وفي هذا الصدد، أكد وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي للشعب أن بلاده لن تواجه نقصًا في الغاز، وأن الإخوة في جمهورية أذربيجان قد حلوا مشكلتهم باتفاقية تكميلية.
ومع ذلك، فإن المشكلة الرئيسية لتركيا ليست فقط نقص الغاز وصعوبة توريد مصادر جديدة للغاز المستورد، بل ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي بالنسبة للمواطنين.
إعتماد تركيا على واردات الغاز
تنفق تركيا ما لا يقل عن 50 مليار دولار سنويًا على واردات النفط والغاز. ونتيجةً لذلك، تعتمد تركيا على الدول الأجنبية، ليس فقط في مجال الاستهلاك السكني، ولكن أيضًا في مجال استهلاك الغاز في الصناعة والتجارة ومحطات الطاقة.
في الوقت نفسه، غالبًا ما يتم استيراد الغاز الطبيعي المسال الذي تحتاجه تركيا من نيجيريا، وأصبح الاعتماد على الطاقة بمثابة كعب أخيل کبير لحكومة أنقرة.
من ناحية أخری، يقترب اتفاق الغاز التركي مع روسيا من نهايته، ويبدو أنه لم يتم تقديم أي وعود لأردوغان خلال اجتماعه الأخير مع بوتين، وحالياً الحل هو الحصول على الغاز من أذربيجان.
قبل أسبوع، ارتفعت أسعار الغاز مرةً أخرى في تركيا. وبينما ظل سعر ألف متر مكعب من الغاز الطبيعي للمستهلكين السكنيين عند 1488 ليرة، ارتفع سعر ألف متر مكعب من الغاز الطبيعي للمشتركين الصناعيين بنسبة 15٪ إلى 2358 ليرة. في غضون ذلك، ارتفع سعر 1000 متر مكعب من الغاز الطبيعي المستخدم في محطات توليد الكهرباء إلى 2724 ليرة.
الشركة الوطنية التركية لتوزيع الغاز، بوتاس، تدعم سعر الغاز الطبيعي وتبيعه للجمهور بسعر أقل من السعر الذي تشتريه. وحتى يومنا هذا، تبيع الغاز الطبيعي للمستهلكين بنصف سعر الشراء. لكن الأزمة الاقتصادية وصلت إلى نقطة لا يزال الناس يواجهون فيها العديد من الصعوبات، على الرغم من الدعم.
غاز كارادينيز الدعائي أم غاز بحر قزوين الحقيقي؟
إن نظرةً على عناوين الصحف التركية تظهر أن دفع فواتير الغاز أصبح صعبًا على العديد من الأسر التركية، ولا تزال العديد من العائلات تفضل استخدام الفحم، على الرغم من العواقب الملوثة والخطيرة.
وكتبت صحيفة "يني تشاغ" في أول عنوان لها اليوم: "في العامين الماضيين، ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي أكثر من خمسة أضعاف، ويواجه ملايين الأسر الفقيرة، بما في ذلك المتقاعدون، صعوبةً في تدفئة منازلهم في الخريف والشتاء.
كل هذا بينما على الرغم من الدعاية واسعة النطاق حول التنقيب عن حقول الغاز التركية في البحر الأسود، لم يحدث عملياً أي شيء خاص ولم يؤثر ذلك على ارتفاع أسعار الغاز؛ وبالإضافة إلى ذلك، أصبحت أسعار الغاز أغلی تكلفةً 3 مرات في السنة على الأقل.
بعبارة أخرى، فإن الواقع الموضوعي لحياة الشعب التركي يظهر أن المسرحية الكبيرة للحزب الحاكم في تركيا، فيما يتعلق باكتشاف حقول غاز ضخمة في البحر الأسود، كان مجرد عرض حزبي وسياسي، وتركيا في أمس الحاجة إلى موارد الغاز في بحر قزوين من أجل التدفئة.
عقد جديد حتى عام 2024
وزير الطاقة والموارد الطبيعية الترکي فاتح دونماز، وبعد عدة لقاءات ومذاکرات تقنية مع السلطات في باکو، أصدر بياناً قال فيه: "وقعنا اتفاقيةً تجاريةً مع جمهورية أذربيجان لتسليم الغاز الطبيعي الفائض حتی عام 2024. وفي النتيجة، تم إحراز تقدم کبير في إمداد ترکيا بالغاز الإضافي".
وأضاف دونمز: "ستجتاز ترکيا هذه الفترة دون أي مشاکل بدبلوماسية الطاقة الناجحة. ومع اقتراب فصل الشتاء، تم إحراز تقدم في المفاوضات لتلبية الطلب علی الغاز الطبيعي. لأن مسؤولي الدول الموردة للغاز أکدوا أيضًا علی زيادة الغاز المرسل. ولهذا السبب حققنا نتائج جديدة مع جمهورية أذربيجان، ووقعنا اتفاقيةً تجاريةً لتسليم 11 مليار متر مکعب من الغاز الطبيعي الإضافي من خط أنابيب باکو-تفليسي-أرضروم حتی عام 2024".
وقال عارف أکتراك، الرئيس السابق لقسم المشتريات والاستشارات في شرکة الغاز الوطنية الترکية: "طلبنا علی الغاز في فصل الشتاء مرتفع للغاية، بسبب زيادة الاستهلاك السکني. في الشتاء الماضي، شهدنا حداً أقصی للاستهلاك اليومي بلغ 285 مليوم متر مکعب. وربما نحتاج هذا العام إلی 300 مليون متر مکعب. ونتيجةً لذلك، علينا الترکيز علی تمديد عقودنا".
ستنتهي أربعة عقود طويلة الأجل لاستيراد الغاز الطبيعي، بما يعادل إجمالي 16 مليار متر مکعب سنوياً هذا العام، وسيوقع البائعون عقوداً جديدةً بالسعر الجديد. ومن المتوقع أن تتکبد ترکيا 5 مليارات دولار کتکاليف جديدة بسبب ارتفاع أسعار واردات الغاز الطبيعي المسال.
وفي الختام، نقول إن ترکيا قد دخلت الميدان علانيةً خلال الحرب الأخيرة بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا، وبالإضافة إلی توفير السلاح والدعم السياسي، أرسلت أيضًا جزءاً من قواتها للاستيلاء علی مناطق واسعة من ناغورنو کاراباخ من علييف.
والآن وقد أدت حرب ناغورنو کاراباخ إلی بدء مرحلة سياسية جديدة، تحاول الحکومة الترکية استغلال هذا الوضع اقتصادياً. ونتيجةً لذلك، بالإضافة إلى توقيع عقود الغاز والاستفادة من فوائد نقل الغاز الأذربيجاني إلى أوروبا، قام المئات من المقاولين الأتراك بتنفيذ جزء مهم من مشاريع التنمية في جمهورية أذربيجان.
لكن الأدلة تظهر أن سلوك تركيا في هذا المجال يركز بشكل كبير على المصالح الاقتصادية، لدرجة أنها نسيت بعض المعايير المهمة للمنافسة الإقليمية وحسن الجوار، ولا تترد في أفعال مثل تحريض جيرانها.
ونتيجةً لذلك، في استمرار هذا المسار، من الضروري أن يقترن اتخاذ المواقف والاستفادة من بعض الفوائد متوسطة الأجل، بمزيد من الرصانة وضبط النفس.